قل انتهاكات الحقوق الاقتصادية ولا تقل جرائم الفساد

[\"????\". ???? ?????? ???????. ?????? \"????????\"] [\"????\". ???? ?????? ???????. ?????? \"????????\"]

قل انتهاكات الحقوق الاقتصادية ولا تقل جرائم الفساد

By : Osama Diab أسامة دياب

كنتُ قد حضرتُ ورشةَ عمل مؤخراً في كيب تاون في جنوب أفريقيا، وهي المدينة التي قضى فيها مانديلا سنوات سجنه السبع وعشرين، قبل أن يُطلق سراحه عام 1990 ليقود مفاوضات مع نظام الفصل العنصري (الأبارتايد) حتى يصبح أول رئيس أسود لجنوب أفريقيا عام 1994، لينتهي بعدها نظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا. لكن برغم انتهاء نظام الفصل العنصري رسمياً وقانونياً، ما زالت التركيبة الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع الجنوب الأفريقي كما كانت قبل سقوط النظام، ويعتقد كثير من المهتمين بالشأن العام في جنوب أفريقيا أن الديمقراطية الوليدة في خطر بسبب التوتر الاجتماعي ما بين الفئات ذات الأصل الأوروبي، التي تشكل أغلبية الطبقة الوسطى والطبقات الغنية والأوفر حظاً، والمواطنين السود و"الملونين" الذين يشكلون أغلبية الطبقة العاملة والمهمشة اقتصادياً واجتماعياً، وهي التركيبة التي لم تتغير كثيراً منذ سقوط نظام الفصل العنصري.

 يوجد اعتقاد سائد في جنوب أفريقيا بين الذين شاركوا في التحول من نظام الفصل العنصري إلى نظام ديمقراطي، الذي أدى إلى وصول الأغلبية ذات البشرة السمراء إلى سدة الحكم، أن من أهم أسباب غياب الحراك الاجتماعي هو القرار التي اتخذته لجنة الحقيقة والمصالحة التي شكلتها حكومة الوحدة الوطنية عام 1995 لكشف الحقيقة عما جرى من انتهاكات لحقوق الإنسان خلال فترة حكم الأبارتايد بهدف المصالحة وتعويض الضحايا وكشف الحقيقة بنية غلق صفحة الماضي، وكانت اللجنة تنظر فقط في انتهاكات حقوق الإنسان وتمنح التعويضات وتعيد تأهيل الضحايا بشكل فردي، وكان هناك قرار واع بعدم النظر في انتهاكات الحقوق الاقتصادية وجرائم الفساد التي أحياناً يُنظر إليها على أنها "جرائم بلا ضحايا" بعكس جرائم الانتهاكات الجسدية، ولكن في الواقع إن السبب الحقيقي، وفقاً لكثيرين ممن عملوا بالقرب من لجنة الحقيقة والمصالحة، هو أن هذا النوع من الجرائم يكون ضحاياه كثيرين ويشكلون مجتمعات كاملة وهو ما نذر بفتح صندوق الشرور وخروج الأمور عن السيطرة.

وبعد 20 سنة يندم الكثيرون في جنوب أفريقيا على عدم سلوك الطريق الصعب وإن شق عليهم. ومن الممكن اعتبار أن وضع مصر أفضل لغياب التوتر العرقي-الطبقي الموجود في جنوب أفريقيا حيث تتشكل أغلب الطبقة الوسطى والعليا من ذوات البشرة البيضاء وأغلب الطبقة العاملة والفقيرة من ذوات البشرة السوداء ومن يطلق عليهم اسم الملونين (coloured).

 التفاوت الرهيب في مستوى المعيشة والدخل، يجعل أي ديمقراطية وليدة شكلية ومهددة وفي أحيان كثيرة قصيرة الأجل، وقد يتم تدريس مصر بعد سنوات من الآن كنموذج ومثال لهذه القاعدة. فمن الصعب نجاح أي محاولة للتحول الديمقراطي في مصر أو أي جزء من العالم بدون التعامل مع انتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية بنفس القدر من الجدية مثل انتهاكات حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمصارحة والمكاشفة والتعويضات الجماعية.

لكن من أكبر العوائق في وجه تحقيق هذا الهدف هو التعامل مع انتهاكات الحقوق الاقتصادية الممنهجة كجرائم جنائية يتم التعامل معها بشكل فردي برغم منهجيتها فتجد قضية هنا ضد مبارك عن هدايا وأجندات تلقاها من الأهرام، وقضية هناك عن استخدام ميزانية قصور الرئاسة لتطوير العقارات الخاصة بعائلة مبارك، أو حتى القضايا المتفرقة للاستيلاء على أراضي الدولة بدون محاولة فهم آليات الفساد والحكم التي حولت تلك الجرائم إلى ممارسات ممنهجة تقودها شبكات مصالح من داخل النظام السياسي أو شديدة القرب منه.

                التعامل بشكل فردي مع ممارسات ممنهجة ذات طابع سياسي كجرائم جنائية فردية لا يغير من الأمر شيئاً على المستوى الكلي، ولا يعالج أسباب تفشي تلك الممارسات من المصدر حتى إن وقع عقاب على الجاني أو تم إلزامه بدفع غرامة، لأنه يفشل في التعامل مع آليات وشبكات وبنية الفساد، لكن الأخطر في التعامل مع تلك الممارسات كجرائم جنائية هو خضوعها لنفس القوانين التي مررها مشرع غير منتخب كان من أهم وظائفه تمرير قوانين تمنح الحصانة لتلك الممارسات، فمن أكثر أشكال الفساد خطورة هو الاستحواذ على مؤسسات الدولة وعلى رأسها السلطة التشريعية من قبل شبكات مصالح اقتصادية ضيقة، مقارنة بالفساد الذي يتحرك في الخفاء بعيداً عن مؤسسات الدولة.

كثر الحديث في مصر بعد ثورة يناير عن قوانين الفساد التي تسهل من عملية الاستيلاء على الأراضي والاحتكارات وإنشاء صناديق خاصة غير خاضعة للرقابة، ولذلك التعامل مع الفساد كجريمة جنائية قد يصلح في الدول التي لا تمر بمرحلة انتقالية، والتي يكون نهب المال العام فيها حالات فردية متفرقة تمارس بعيداً عن مؤسسات الدولة وليس برعايتها، ولا يسيطر عليها قلة من رجال المال يستطيعون بنفوذهم وتوغلهم في مؤسسات الدولة أن ينفوا صفة الجريمة الجنائية عن ممارسات تعتبر جرائم في الدول التي تتمتع بقدر أعلى من سيادة القانون والديمقراطية، ولذلك إن توصيف انتهاكات الحقوق الاقتصادية كجريمة جنائية فقط يجعل المرجعية في التعامل مع تلك الممارسات هي نفس القوانين التي وضعها من يحاكم بها بهدف التحصن ضد الملاحقة القضائية، وأما توصيفها كانتهاكات للحقوق الاقتصادية فيجعل مرجعيتنا هي الاتفاقات والأعراف الدولية الموقعة عليها مصر، مثل العهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.

 ومن فوائد إرساء هذا المبدأ هو تفعيل أطر جديدة لاستعادة أموال الديكتاتوريات المنهوبة التي حتى يومنا هذا تعتمد بشكل كبير على قوانين ومؤسسات الدول التي تم نهبها، والتي وضعتها وشكلتها السلطة السياسية الفاسدة وفقاً لمصالحها، فبالإضافة إلى القدرة على تسهيل إعادة الأصول المنهوبة، إن التعامل مع المسألة من منظور حقوقي وليس جنائي فقط سيعظم من الاستفادة من الأموال المنهوبة عند استعادتها، لأن عند الاعتراف بمنهجية الفساد، سيكون الاعتراف بتأثيره الواسع على المجتمع والسلم الاجتماعي، ويفترض حينها أن تنفق الأموال المستردة كتعويضات لضحايا الجرائم الاقتصادية لتطوير المجتمعات الأكثر فقراً وتهميشاً كجزء أصيل من عملية التحول الديمقراطي وبناء مجتمع أكثر عدالة وسلماً.

 الفائدة الأخيرة من التوصيف الحقوقي للجرائم الاقتصادية الممنهجة في عمليات العدالة الانتقالية والتحول الديمقراطي هو تعظيم فرض تطوير منظومة الحقوق الاقتصادية والاجتماعية مقارنة بمنظومة الحريات السياسية والمدنية على المستوى الوطني والدولي، مما يجعل أي مكتسبات حقوقية للنظام الوليد غير مهددة مثلما رأينا في مصر بعد مصادرة المجال السياسي والإعلامي وقرب مصادرة المجال الحقوقي، بعد تحقيقها لبعض المكتسبات والانتصارات بعد ثورة 25 يناير، ومثلما حدث في جنوب أفريقيا عندما ذهب نظام الفصل العنصري القمعي أدراج الرياح على الورق، لكنه باق على أرض الواقع يطل برأسه مهدداً أي مكتسبات للديمقراطية الحديثة نسبياً.

 تعاملت في مصر الحكومات المتعاقبة بشئ من التهاون فيما يتعلق بانتهاكات الحقوق الاقتصادية مقارنة بانتهاكات حقوق الإنسان "التقليدية" مثل القتل والتعذيب (على الأقل على المستوى الخطابي)، فأغلب الحكومات تعاملت بتهاون مع جميع الحقوق، لكن ينظر أحيانا لجرائم المال العام على أنها جرائم بلا ضحية من الممكن فيها العفو والتصالح، في حين أن جرائم الانتهاكات الجسدية يكون فيها المجني عليه واضحاً بحيث يصعب في بعض الأحيان التنصل من المحاسبة حتى مع وجود رغبة في ذلك، ولنا في فيديو قناص العيون خير دليل على ذلك، فعندما تم التقاط فيديو له لم تجد المحكمة سبيلاً إلا إدانته بسبب وضوح أركان الجريمة من الفعل والجاني والمجني عليه.

 ورأينا—كمثال على التفاوت في الخطاب بين المحاسبة على الجرائم الاقتصادية وانتهاكات حقوق الإنسان— المجلس العسكري الأول يصدر مرسوماً بقانون عرف إعلامياً ب "قانون التصالح" ينص على إجازة التصالح في جرائم المال العام، وتمت "طمأنة" المصريين أن هذا القانون سيتم تطبيقه على جرائم الفساد فقط وليس جرائم القتل. ورأينا نفس الفلسفة تتكرر في عهد الرئيس المعزول محمد مرسي، فصرح النائب العام حينها طلعت عبد الله، والذي عُين بأمر رئيس الجمهورية يعلنها صراحة أنه مع التصالح الذي لا يشمل جرائم الدم لأنها جرائم ذات طبيعة مختلفة. ورأينا النسخة الأخيرة من الدستور تنص في مادتها ال52 أن جريمة التعذيب لا تسقط بالتقادم في حين حكمت المحكمة بانقضاء الدعوة الجنائية في قضية فيلات شرم الشيخ المتهم فيها حسني مبارك وأسرته بقبول عطايا من رجل الأعمال الهارب حسين سالم في أواخر التسعينيات بتهمة استغلال النفوذ وقبول عطية لمرور عشرة أعوام على وقوع الجريمة، حسب المادة 15 من قانون العقوبات التي تنص على "انقضاء الدعوى الجنائية فى مواد الجنايات لمضي عشر سنين من يوم وقوع الجريمة وفى مواد الجنح بمضي ثلاث سنين وفى مواد المخالفات بمضي سنة ما لم ينص القانون على خلاف ذلك".

 وهذا بالرغم من وصف منظمة الشفافية الدولية إسقاط تهم الفساد بالتقادم بأنه "عد تنازلي نحو الإفلات من العقاب”. وتقترح المنظمة بعض الإجراءات، حتى لا يكون هذا القانون حصانة للموظف العام الذي قد يمضي في منصبه عدة عقود  بعد ارتكاب الجريمة، أهمها المرونة في تحديد مدة التقادم في الوظائف التي تمنح أي نوع من أنواع الحصانة وقت ارتكاب الجريمة، فكلنا يعلم إنه لم يكن من الممكن كشف هذه الواقعة وإجراء التحقيقات بشأنها حين كان الرئيس مبارك لا يزال في الحكم خلال مدة التقادم.

 وينظر تيار متصاعد داخل حركة حقوق الإنسان للفساد وانتهاكات الحقوق الاقتصادية والاجتماعية على أنه البيئة الحاضنة التي تترعرع فيها انتهاكات حقوق الإنسان والصراعات والحروب الأهلية، فأي تحسن  على مستوى الحقوق السياسية والمدنية غالبا ما سيكون مؤقتاً وغير مستدام إذا لم تصاحبه سياسات عدالة اقتصادية تضيق الفجوة الاقتصادية بين شرائح المجتمع وتعمل على مكافحة الفساد كأداة مثلى للقضاء على الفقر. فمن الخطأ النظر لجرائم الفساد الممنهج والكبير على أنها جرائم لا تقتل ولا تؤذي.

 إن سد هذه الفجوة الخطابية الخاص بتراتبية الحقوق قد يسمح  مستقبلاً بإنشاء محاكم دولية للجرائم الاقتصادية على غرار المحكمة الجنائية الدولية والتي يقتصر نطاق عملها على: جرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية، وجرائم الحرب وجرائم العدوان، وهي كلها جرائم ترتبط بالحقوق المدنية والسياسية. بدأ بالفعل العديد من العاملين في مجال حقوق الإنسان والحقوق الاقتصادية المطالبة بإنشاء محكمة دولية تنظر في الجرائم الاقتصادية.

 يطالب البعض أيضاً بتوسيع نطاق الولاية القضائية الدولية universal jurisdiction في مختلف الدول، والتي عادة ما تشمل حتى الآن الجرائم المرتبطة بانتهاكات الحقوق السياسية والمدنية فقط  لتشمل أيضاً انتهاكات الحقوق الاقتصادية الجسيمة وواسعة النطاق.

 إن  الولاية القضائية الدولية هي الأداة القانونية التي تم بها صدور أمر بالقبض على وزيرة الخارجية الإسرائيلية السابقة تسيبي ليفني عام 2009 في بريطانيا لتورطها في جرائم حرب في غزة، و القبض على الديكتاتور التشيلي بينوشيه عام 1998 في بريطانيا أيضا لتورطه في انتهاكات حقوق إنسان عندما كان يتولى مقاليد الحكم في تشيلي، بالرغم من عدم حملهم للجنسية البريطانية أو ارتكابهم أي جرائم على الأراضي البريطانية. وحتى ذلك الحين، دعونا نقضي وقتاً سعيداً مع المكاسب الديمقراطية الشكلية قصيرة الأجل التي سرعان ما تختفي خلف ستار مكافحة الإرهاب والأمن القومي والاستقرار.

  • ALSO BY THIS AUTHOR

    • Financial Corruption between Analysis and Political Actions

      Financial Corruption between Analysis and Political Actions

      One of the things that attracted attention in the recent Lebanese uprising is the adoption of the slogan “down with the rule of the banks” as a variation for “down with the rule of the Supreme Guide/the military” and “down with Hosni Mubarak” in Egypt. In the Lebanese slogan, unlike the Egyptian ones, the idea does not revolve around a person or a ruling class, or even the ruling regime. The Lebanese slogan–which first emerged in the 2015 demonstrations known as “you stink”–focuses on what the demonstrators saw as the structure, style, or philosophy of governance, as the banks do not represent a person, a group of people, or even a ruling coalition.

    • الفساد المالي ما بين كلية التحليل وجزئية الفعل السياسي

      الفساد المالي ما بين كلية التحليل وجزئية الفعل السياسي

      من أكثر الأمور لفتًا للانتباه في الانتفاضة اللبنانية الأخيرة هو تبني شعار/هتاف "يسقط حكم المصرف" كتنويعة على هتافات "يسقط حكم المرشد/العسكر"، و"يسقط حسني مبارك" في مصر. في الهتاف اللبناني، على غير الحال في الهتافات المصرية، لا يتمحور الهتاف حول شخص أو فئة حاكمة، أو حتى نظام حاكم كما هو الأمر في التنويعات المصرية.

تنظيم المخلّ بالنظام؟ الباعة المتجولون والدولة التنمويّة

 عندما أصدر الرئيس مرسي في العشرين من تشرين الثاني (من العام الماضي) مرسومه المثير للجدل والذي يقع خارج صلاحياته الدستورية، والذي قام لاحقاً بإلغائه جزئياً جرّاء ضغط شعبي هائل، وعد باستعمال صلاحياته التشريعية الإستثنائية الممنوحة له فقط في حدود مقلصة للغاية. وعندما قام فعلياً بممارسة هذه الصلاحيات، قام بذلك سريعاً من أجل سنّ قانون رقم 105/2012 وذلك في خضم ما بات يوصف –دون مغالاة- باللحظات الأكثر حسماً في تاريخ مصر الحديث. حتى المحلل السياسي الأكثر تمرّساً يمكن أن يغفر له إذا ما افترض من باب السذاجة أن هذا القانون يتعلق بالاستفتاء الوشيك على مسودّة الدستور التي أدت الى استقطاب حاد البلاد، أو أنه يتعلق بدور الجيش في الاقتصاد. إلا أن ما يثير الاهتمام هو أن قانون 105/2012 كان قد صُمم من أجل زيادة الإجراءات العقابية ضد الباعة المتجولين، فقد رُفعت العقوبة على الإخلال المنصوص في القانون رقم 33/1957، والتي كانت، حتى ذلك الوقت، تنظم عمل ما يقدر بخمسة ملايين بائع متجول في مصر؛ من شهر واحد إلى ثلاثة أشهر سجن والى خمسة آلاف جنيه غرامة بدلاً من ألف جنيه. لكن، هل كانت هذه على ما يبدو واحدة من إخفاقات مرسي اللانهائية في الأسابيع الأخيرة التي تعكس عدم تواصله بتاتاً مع الحقائق السياسية؟ أم أن هناك المزيد مما يمكن قراءته في مثل هذا القرار من حيث طبيعة علاقات الدولة والمجتمع، الاقتصاد والحيز العام في المرحلة الثورية الحالية؟

إن ثورة 25 يناير، والثمانية عشر يوماً الصاخبة في ميدان التحرير والمسيرات والاحتجاجات العملاقة والاعتصامات التي تلتها والتي اجتاحت البلاد منذ ذلك الوقت، قد أدت الى أكثر من مجرد إسقاط حسني مبارك. فهي تطرح تحديات لهؤلاء الذين خلفوه. الثقافة السياسية الجديدة التي نشأت في صحوة هذه الثورة، كانت قد أبرزت في المقام الأول، الحسّ الفردي والجماعي للمطالبة بالحرية. وعليه فقد قامت بتغيير ممارسات وإدراكات حول الحيز العام. فقد قام النظام التقليدي للحفاظ على الأمن في الحيز المديني المصري، معززاً بكل من قانون الطوارئ المشهور وحضور بوليسي مكثف في الشارع والجدران العالية المنتشرة حول المجمعات السكنية المسوّرة ومراكز التسوق، بإرهاب المواطنين لوقت طويل وحدّ من قدرتهم على استملاك الحيز العام. سواء كانوا نشطاء يدفعون للتعبئة ضد النظام أو كانوا عشاقاّ يبحثون عن لحظات حميمية سريعة، أو فقراء يأملون بلحظات من الراحة من شقائهم اليومي الطاحنّ؛ فقد مُنع المصريون جسدياً من الوصول إلى الحيز العام. الإحساس بالقوة الكامنة الذي تم الحصول عليه أثناء الخروج الى الشوارع على مدى العاميّن الماضيين لم يتمكن من إلغاء حكم السيطرة بالكامل ولكنه بالتأكيد أدى الى ما بات يسميه الكثيرون "إعادة الاستيلاء" على الحيز العام. لا يمكن بعد اليوم تقييدالملايين التي اختبرت الحرية عبر الخروج الى الشوارع للتظاهر، للتناقش وتبادل الأفكار مع رفاقهم من المواطنين الذين لم تتح لهم فرصة التلاقي علناً من قبل، من قبل النظام القمعي ذاته، على الأقل ليس بشكل تام.

إلا أن إكتشاف فرص وموارد جديدة عادة ما يؤدي إلى معارك على الملكية والاستحقاق. لذلك فالمقدرة على إستعادة الحيز العام سرعان ما خلقت نقاشات حادة حول أحقية الوصول لهذا الحيز، من يتوجب إقصاؤه وما هي قواعد التواصل التي يجب اعتمادها بين المواطنين من ذات الدولة. الفئات السياسية المتحاربة قدمت مثالاً لهذه المعركة الجديدة في حملاتها للمطالبة بنسب مواقع تجمّع معينة لها، وعلى رأسها ميدان التحرير الذي بات موقعاً أيقونياً. وكان رسم كاريكاتوري تم تناقله بشكل واسع على الفايسبوك بعد الصدامات بين القوى المعارضة والمؤيدة لمرسوم مرسي الرئاسي حول استعمال ميدان التحرير كبؤرة الزلزال لحملاتهم الشعبية لتعبئة الجماهير، قد عكس هذا النزاع بشكل كبير. ويقترح الرسم الكاريكاتوري مجموعة من القواعد "لجدول ميدان التحرير"، حيث يتم حجز أيام السبت والإثنين والأربعاء لمؤيدي السلفيين والأخوان المسلمين، بينما تُحجز أيام الأحد والثلاثاء والخميس للثوار. وأخيراً فإن يوم الجمعة قد تم تحديده للصيانة والتنظيف وتبادل أسرى "الحرب". إلا أنه، ومنذ 25 يناير 2011، تعدّت المعارك حول ملكية واستحقاق الحيز العام إلى ما هو أكبر من الصراعات الدائرة بين القوى السياسية المتحاربة. الإمكانيات الجديدة لاستحقاق الحيز العام أحيت مخاوف مجتمعية متأصلة وخطوط تماس بين مجموعات اجتماعية وسياسية مختلفة. واحدة من الأمثلة الأكثر صلة بهذا التماس كان السؤال حول حضور المرأة في الحيز العام والمضايقات المتكررة التي عانت منها خلال وما بعد الثورة. الحالات الأخرى التي أثارت قلقاً متواصلاً تتعلق بمكان مجموعات مهمشة أخرى مثل "أولاد الشوارع" والباعة المتجولين.

\"\"

[الصورة من صفحة "منتديات الشاب كول" على الفيسبوك]

 

منذ الأيام الأولى للثورة، توافد الباعة المتجولون إلى ميدان التحرير حيث خلقوا إقتصاداً محلياً مزدهراً زود ملايين المحتجّين الذين ارتادوا ميدان التحرير لاحقاً بوجبات خفيفة ومشروبات بأسعار معقولة. سواء كانوا عائلات أو مجموعات من الأصدقاء الذين جاؤوا للانضمام للاحتجاج أو للتمتع بالإحساس بالحرية والتفاؤل الناضح من الميدان أو كانوا من المقاتلين المستميتين الذين جعلوا من ميدان التحرير بيتاً لهم، فإن كل هؤلاء اعتمدوا على الباعة المتجولين بدلاً من القهاوي والمطاعم المكلفة في وسط البلد في القاهرة. مع الوقت، إنضم اليهم المزيد من الباعة الذين يبيعون مختلف البضائع وسرعان ما تناثروا جميعهم على أرصفة وشوارع كامل منطقة وسط البلد.

فور سقوط مبارك، شرع الجيش والحكومات المتعاقبة في حملة لإخلاء ميدان التحرير، ليس فقط من المحتجين وإنما أيضاً من الباعة. كان الهدف من هذه المحاولات حفظ النظام العام في الشوارع والأهم من ذلك استعادة صورة الدولة القوية "ووقار" المجتمع المصري، الذي يعتبره هذا المنطق مهدداً نتيجة إحتلال الحيز العام. ونادرة هي الحالات التي لا تؤدي بها الإزالة القسرية إلى تصادم عنيف، يعتبر فيه الباعة و"البلطجية" (غالباً ما تم خلط/استعمال الاثنين بالتبادل) بكونهم الملامين على العنف. جهود سلطات الدولة لإخلاء الباعة من التحرير والشوارع المحيطة شكّلت جزءاً واحداً فقط من حملة شاملة طويلة الأمد تمتد لكافة أطراف البلاد لقمع الظاهرة، والتي يعزو إليها الناس مواطن الشر بما في ذلك الفوضى في الشوارع وأزمة المرور والإخلال بالقانون وعلاوة على كل هذا "تشويه" المظهر الحضاري المصري. يدعم أصحاب المحال التجارية والطبقة الوسطى من سكان المدينة مثل هذه الجهود. فبالنسبة لأصحاب المحال التجارية، من الواضح أن الباعة يشكلون مصدر تهديد لهم لأنهم يبيعون بضاعة بأسعار معقولةعند عتبات محالهم. بينما يرى سكان الحارات التي تقطنها الطبقة الوسطى في المدينة الباعة المتجولين كتهديد لأنهم يعيقون انسياب حركة السير ويسّدون الأرصفة مما يجعل تنقل المارة بسهولة أمراً مستحيلاً. وهناك أيضاً بُعد آخر "أخلاقي" متعلق بشعورهم بالقلق الذي يثيره الفقر وعدم النظام المتجسد بالباعة المتجولين. ومن نافل القول، أنه لا يمكنه عزو السبب الحقيقي للزحمة المرورية الخانقة في القاهرة وفوضى الشوارع وإلقاء اللوم في ذلك على الباعة المتجولين. وإنما نجد تلك الأسباب في غياب نظام ناجع ومعقول للمواصلات العامة، وفي شبكات الشوارع الرديئة، وفي أخطاء كبيرة في التخطيط المديني ونظام رأسمالية المحاسيب. على أية حال، فسكان المناطق المرفهة في مصر عازمون على القضاء على حضور الباعة المتجولين "غير الحضاري" والمهدد أخلاقياً، موظفين لذلك كل التبريرات. عليه، فهم يدعون الشرطة بشكل متكرر حيث يرونها حليفهم الطبيعي في حماسهم ضد الإخلال بالقانون وانعدام النظام، وذلك لقمع الباعة المتجولين ومنعهم من العمل في أحيائهم.

جاء قانون مرسي المذهل كخطوة يائسة في معركة طويلة الأمد للتخلص من الباعة المتجولين. فعلى سبيل المثال، في مارس/آذار 2011 قامت قوات من الجيش والحرس المدني بإخلاء باعة متجولين بالقوة من ميدان رمسيس وإعتقال الكثيرين منهم، فيما قُدِم بعض منهم للمحاكمة لاحقاً حيث حوكموا في المحاكم العسكرية. مؤخراً، وتحديداً في أوكتوبر/تشرين الأول 2012، لقي بائع فاكهة شاب يبلغ من العمر 22 عاماً حتفه في صدامات عنيفة خلال هجوم شنته قوات تابعة للشرطة في محاولة منها لتطهير دوار الجيزة من كل الباعة. الأمر الذي أدى الى احتجاج نظمه زملاؤه الباعة أمام مكتب المدعي العام مطالبين بالاقتصاص من المسؤول.

هذه المعركة المستمرة ليست بالجديدة أو الفريدة والخاصة بمصر وحدها. ولكنها شكلت جزءاً متكاملاً من بناء وعمل الدولة التنموية منذ الخمسينيات والستينيات في أغلب الدول النامية. روجت الدولة التنموية عند الأمم المستقلة حديثاً، والنظام الإقتصادي الذي دعمها في النصف الثاني من القرن العشرين لمشروع تحديث يعتمد على العقلانية والنجاعة والتكنولوجيا ووسائل الإدارة الغربية، بالإضافة إلى النظام. بناء على هذا، فقد اعتبروا الإقتصاد غير الرسمي والباعة المتجولين في صلبها كنقيض لمشروع الدولة ووجودها. الباعة المتجولون جسدوا كل ما هو مخالف للحداثة: عدم النجاعة، الفوضى، والطفيلية وعدم الانضباط. صورة المدن غربية الطراز الحداثية وحسنة التخطيط كانت مهددة بفعل ربطها بالفقر والإخلال بالقانون والفوضى التي يخلقها باعة تقليديو الملبس والعمل. الباعة تجولوا في الشوارع، ولم يكن لهم أماكن تجارة ثابتة ولم يتبعوا أي قانون، كما يقضي بذلك المجتمع المتحضر والحداثي.

وضع زاغموند باومن إصبعه على جوهر الحداثة بوصفه إياها بـ "النظام كهوس". لقد عمل النظام، قبل أي شيء، كمحرك جوهري في إعادة إنتاج نظام إقتصادي سائد. في نظام رأسمالي حداثي، فيما تعمل الشركات الكبرى وفقاً لأسس سلم الإقتصاد، فإن الشركة وحتى رجال الأعمال الصغار ولكن المنظمين- يُعترف بهم كشركاء وعملاء للحداثة لكونهم يتلائمون ضمن نموذج عماده تمركز الانتاج والتوزيع. أما الباعة المتجولون، فهم لا يدفعون الضرائب ولا يحفظون السّجلات كما ويستحيل إدراجهم في المؤشرات الاقتصادية العامة مثل مؤشر الناتج المحلي الإجمالي؛ عليه فهم مضّرون للتخطيط القومي الإقتصادي. والأكثر أهمية من ذلك، فإن الشركات والمؤسسات التجارية الكبرى تكرس الدوّر التنظيمي للدولة لإدارة علاقات الإنتاج، حيث تزود الدولة بكونها"رأسمالي جماعي مثالي" الشروط السياسية المسبقة لعملية تراكم صحية عبر السيطرة على علاقات رأس المال لصالح منافع رأسمالية.

على أية حال وبالرغم من جهود الدول المستقلة حديثاً لدمج الإقتصاد غير الرسمي في منظومة مرتبة والقضاء على البيع في الشوارع، إلا أن كلاهما، أي الإقتصاد غير الرسمي والباعة- قد تابعا الإزدهار بمعزل عن الدولة في البلدان النامية. إن الفشل في التنظيم المركزي، والقطاع الخاص غير المتطور وحقائق إقتصادية أخرى في هذه الدول عنت أن القطاعات الأكثر تقليدية مجبرة على تقديم الحلول والرد على احتياجات الملايين المقصيين من مشاريع الحداثة؛ الاحتياجيات التي فشلت الدولة التنموية ذاتها بتلبيتها. هذا صحيح الآن في القرن الواحد والعشرين كما كان صحيحاً في العقود الأولى للاستقلال. لكن القطاع غير الرسمي يستمر بتوفير الوظائف لهؤلاء الذين يدخلون سوق العمل في كل عام والذين تنعدم أمامهم فرص العثور على عمل في القطاع الرسمي.

تغير معنى التنمية إلى حد كبير على مر العقود، وتغيرت ومعه أيضاً تعريفاتها وتوجهاتها التي تم توظيفها من قبل الحكومات الوطنية. التحولات في معنى التنمية كانت قد واكبت دائماً الإحتياجات المتزايدة للنظام الإقتصادي العالمي. بناء على ذلك، فإن الكثير من الحكومات الوطنية في الجنوب العالمي اضطرت الى تغيير افتراضاتها المبكرة عن التطور والسياسات المتبعة لتحقيق التمنية، وذلك بناء على تطور الإقتصاد العالمي. إلا أن التناقض الآن يكمن في أن الاحتياجات الأخيرة للنظام الرأسمالي العالمي أدت الى مأسسة عمليات من اللارسمية. فالتغييرات في هيئة منظومات التصنيع وفي قطاعات أخرى قد ولّدت منطقاً إنتاجياً جديداً. على سبيل المثال، يعتمد "خط الإنتاج العالمي"، على الإستعانة بشبكات من المصادر الخارجية، بالإضافة الى التعاقد الهرمي ومرونة سوق العمل. هذا النظام على أي حال، ينتج بشكل ثابت المزيد من الإستغلال في العمل، رواتب متدنية، شروط عمل غير آمنة والمزيد من عدم التوازن الوظيفي.

إن النقد المترتب عن هذا التطور وتأثيره على حياة الملايين من الفقراء على المستوى العالمي، حدا بالمؤسسات المالية الكبرى لابتكار سياسات تعزز فعلياً المزيد من أشكال "اللارسمية" من أجل تحسين نصيب هؤلاء العاملين ضمنها وذلك بمساعدة تدخل الدولة. السياسات النيوليبرالية المعززة من قبل "إجماع واشنطن" والمؤيدة بكل طاعة من قبل الجنوب العالمي، بما في ذلك مصر، تقوم، الآن –للمفارقة- بتعزيز مبادرات متواضعة عبر قروض صغيرة وغيرها من برامج التدريب والإقتراض باعتبارها حجر الزاوية المساند للاقتصاد. نتيجة لذلك فإن السياسات المنبثقة عن المؤسسات الإقتصادية إتجاه الإقتصاد غير الرسمي، تهدف إلى "تنظيم" القطاع ولكن ذلك بهدف تعزيزه وليس القضاء عليه.

في سياق مصر طالما اكتسب "التنظيم" دائماً معنى مختلفاً وذلك حسب من يتحدث عنه. ففي الوقت الذي يعتبر تشكيل نقابة للعمال بمثابة سلاح عظيم ضد الاستغلال، إلا أن الطريقة التي يفهم بها المسؤولون المصريون "التنظيم" تختلف بشكل كبير عن تلك التي يفهمها العمال. فبالنسبة لدولة مثل مصر، فإن تنظيم العمل لم يتعلق أبداً بلجم قوة التفاوض الجماعية للعمال، وإنما بتنظيمهم في هيئات قابلة للضبط. في حالة الباعة المتجولين، عنى ذلك تنظيم ظاهرة فوضوية ولكن أيضاً حتمية. وفقاً لهذا المنظور يتم التسامح مع الباعة المتجولين طالما يحتلون مكاناً محدداً، وعليه فيمكن موضعته، إقصاؤه والسيطرة عليه. مؤخراً، قامت كل من نقابة المهن التجارية سوية مع وزارة المالية والإتحاد العام لنقابات عمال مصر المعروف بفساده، بمسح لكافة الباعة المتجولين على صعيد وطني في محاولة منها لتنظيمهم. في الأسابيع الأخيرة، طالب إتحاد الغرف التجارية المصرية الحكومة بتخصيص سوق أسبوعية محددة في مناطق معينة وذلك من أجل "دمجهم في كيان الدولة الرسمي".

حاولت الحكومات المتعاقبة، بما في ذلك تلك التي كانت في فترة حكم مبارك، إبعاد الباعة المتجولين عن مركز القاهرة إلى مدن تابعة لها تقع على أطرافها مثل عبور، وستة أوكتوبر، والشيخ زايد وسلام. مع شبكة المواصلات العامة الضعيفة التي تربط هذه التجمعات السكانية الهانشية (مثال هائل على فشل التخطيط المديني)، فإن النقل يشكل حكم إعدام يحاول كل الباعة تجنبه.

من جهة أخرى، فإن الباعة المتجولين تواقون لتشكيل نقابة عمالية، وعلى الأقل تنظيم صفوفهم جماعياً ضد مضايقات الدولة، وفساد الشرطة والحماية من الاحتيال. وكان أحد باعة القاهرة المتجولين قد أخذ على عاتقه مبادرة للضغط لتشكيل إتحاد عمال مستقل، وتمكن من جمع أربعة آلاف توقيع من باعة من مختلف المحافظات. إلا أن إقامة إتحاد مستقل واجهت الكثير من التعقيدات من قبل وزارة العمل، ويأتي هذا كجزء من استراتيجية حكومات ما بعد مبارك لتوقيف تطور المئات من الاتحادات المستقلة، والتي ازدهرت في فترة ما بعد سقوط مبارك. أسوة بغالبية الحكومات الوطنية في الجنوب العالمي، المسؤولون المصريون اضطروا للعمل وفقاً لإملاءات المؤسسات المالية العالمية والتي صممت سياستها بشكل يدعم مصالح نظام رأسمالي عالمي. ومع ذلك، فإن بيروقراطيات هذه الدول هي أقل مرونة من الرأسمال العالمي فمسؤولو الدولة يلاقون صعوبة في تعلم خدع جديدة والتخلي عن العادات القديمة. لذلك ما تزال الدولة المصرية ملتزمة باللقضاء على الباعة المتجولين الذين يمثلون تهديداً لحفظها للنظام، ذلك في الوقت الذي تصرح سياساتها الرسمية بدمجهم كشركاء في التطور. ومن نافل القول، أن أياً من توجهات الدولة بالنسبة للتعامل مع "مشكلة" الباعة المتجولين لن تكون ناجعة، ففي تجريم قطاع ما غاية في الأهمية لسوق العمل وللسياسيات الاقتصادية الحكومية الرسمية، بدون طرح بدائل، لن تكون هناك نجاعة ولا حكمة. وفي النفس الدرجة، فإن إحتواء وتنظيم الباعة المتجولين عبر ابعادهم عن قلب المدن وإعادة موضعتهم في الهوامش المدينية بأمل تحويلهم إلى غير مرئيين، يعمل بعكس الأسباب التي تقف وراء نجاح القطاع غير الرسمي، وتلك مرونته، لارسميته وقدرته الجسدية على التنقل. حاولت الدولة التحديثية التي تعتمد التنموية منهجاً، في مصر وفي أماكن أخرى، حاولت جاهدة ملائمة الواقع الإجتماعي في إطار متخيًّل؛ إطار أتقصى مواطنيه وهمشهم بشكل ممنهج. لم ينجح هذا في الماضي، ولن ينجح الآن أيضاً.

[نشر المقال على "جدلية" باللغة الإنكليزية وترجمته حنين نعامنة إلى العربية]